رسالة رئيس الجمهورية الى المعتصمين ٢٤ تشرين الأول ٢٠١٩
أعزائي،
كلمتي لكم اليوم، مثلما كانت دائماً، من القلب الى القلب، اينما كنتم في ساحات الاعتصام او في منازلكم.
المشهد الذي نراه، يؤكد ان الشعب اللبناني هو شعب حي، قادر على الانتفاض، والتغيير، وايصال صوته.
ويؤكد ايضا ان الحريات في لبنان ما زالت بألف خير. ولكن مع الاسف، هذا المشهد ما كان يجب ان يحصل، وصرختكم كان يجب ان تكون صرخة فرح بتحقيق طموحاتكم واحلامكم، وليس صرخة وجع.
نحن شعب خلاق، قوي، وناجح، ولكن الطائفية حطمتنا، ونخرنا الفساد حتى العظم، وقد تركنا من اوصل البلد الى الهاوية بدون محاسبة. وقد اقسمت اليمين في اليوم الاول لتحملي مسؤولياتي كرئيس للجمهورية للمحافظة على لبنان، والتزمت محاربة الفساد بشراسة.
وتمكنت من نقل لبنان الى ضفة الامان والاستقرار، وظل هناك الهم الاقتصادي والمالي.
كان طموحي كبيرا، وما زال، ان نتمكن من التخلص من الذهنية الطائفية التي حكمت البلد منذ وجوده، وهي اساس كل مشاكله، للوصول الى دولة مدنية يتساوى فيها المواطنون امام القانون، ويصل كل صاحب كفاءة الى المنصب الذي يستحقه، وتتحقق اللامركزية الادارية التي تؤمن لكم الخدمات بشكل اسرع، وتسهل المراقبة المحلية.
ولكنكم تعرفون، وتعرفون جيداً، اننا في بلد شراكة وديمقراطية. ورئيس الجمهورية، وخصوصا بعد الطائف، بحاجة لتعاون كل اطراف الحكومة ومجلس النواب، ليحقق خطط العمل والاصلاح والانقاذ، ويفي بالوعود التي قطعها امام اللبنانيين في خطاب القسم.
لا اقول ذلك لألقي المسؤولية على غيري. انا في النهاية رئيس ومسؤول، ولم اوفر وسيلة لتحقيق الاصلاح والنهوض بلبنان. لكن الحقيقة ان العراقيل كثيرة، والمصالح الشخصية متحكمة بالعقليات، وهناك اطراف كثيرة اعتبرت ان الشعب لم يعد لديه كلمة يقولها، وانها قادرة على فعل ما تريد، ويظل الشعب صامتاً.
وبرغم كل الصعوبات، تمكنا من تحقيق تقدم في مجالات كثيرة، وان لم يكن بالحجم الكافي. كل يوم كنت اتكلم عن محاربة الفساد، وبالتأكيد كان هناك من يزعجه هذا الكلام. مع الاسف، اشخاص من المسؤولين.
وقد تحولت الحرب ضد المبادرات وخطط العمل التي تشكل ضررا على المصالح الشخصية لكثيرين. تريدون استعادة الاموال المنهوبة؟ من المؤكد انه من الضروري استعادتها. وانا من يطالب باستعادتها وقد تقدمت بقانون من اجل ذلك. وقد ظهرت حتى يومنا هذا، المليارات من الموازنات السابقة التي يتم التدقيق فيها في ديوان المحاسبة. كل من سرق المال العام يجب ان يحاسب، لكن من المهم ان لا تدافع طائفته عنه بشكل أعمى. ان السارق لا طائفة له وهو لا يمثل اي دين، دعونا نكشف كل حسابات المسؤولين وندع القضاء يحاسب. السياسي يشرع ويراقب اما المحاسبة فتكون من خلال القضاء، الذي تم تعيين رؤساء له هم من خيرة القضاة وجديرون بالثقة. والبيان الذي صدر منذ يومين عن المجلس الاعلى للقضاء يؤكد هذا الامر.
واكثر من ذلك، اني ملتزم باقرار قوانين مكافحة الفساد، لكن هذا الامر هو من صلاحية مجلس النواب وانا اطلب مساعدتكم لاقرارها.
وكما قلت للقضاة بعد تعيينهم، سأكرر القول اليوم باني سقف الحماية للقضاء، وأحيلوا إليَّ من يتدخل معكم.
أعزائي،
من الممكن انه لم تعد لديكم ثقة بالطبقة الحاكمة او بالأحزاب، او بمعظم مسؤولي الدولة، وهذا ما دفعني الى التوجه للحكومة لدى انطلاقها، وخلال الافطار الذي اقامه قصر بعبدا السنة الجارية، بوصية واحدة: أعيدوا للبناني ثقته بدولته، لأنه كان واضحا من موقفكم من اي ضريبة محتملة، ان الضريبة اصبحت بالنسبة اليكم كالخوة التي تذهب ولا تعود وتضيع بين الهدر والفساد.
واليوم، من موقع مسؤوليتي كرئيس للجمهورية، اؤكد لكم ان الورقة الاصلاحية التي اقرت ستكون الخطوة الاولى لإنقاذ لبنان وابعاد شبح الانهيار المالي والاقتصادي عنه، وقد كانت اول انجاز لكم لأنكم ساعدتم بإزالة العراقيل من امامها وقد اقرت بسرعة قياسية.
لكن يجب ان تواكب بمجموعة تشريعات لان مكافحة الفساد الحقيقية تكون عبر قوانين وبالتطبيق الصارم للقانون، وليس بالشعارات والمزايدات والحملات الانتخابية.
عليكم ان تعلموا ان في مجلس النواب عددا من اقتراحات القوانين ومنها،
اقتراح قانون لإنشاء محكمة خاصة بالجرائم المتعلقة بالمال العام، وقد قدمته أنا شخصياً عام ٢٠١٣،
واقتراح ثان باسترداد الدولة للأموال المنهوبة،
واقتراح ثالث برفع السرية المصرفية عن الرؤساء والوزراء والنواب وموظفي الفئة الاولى الحاليين والسابقين،
واقتراح رابع برفع الحصانات عن الوزراء والنواب الحاليين والسابقين وكل من يتعاطى المال العام.
يجب أن تُقرّ هذه القوانين في أقرب وقت. فارفعوا اصواتكم، وطالبوا نوابكم بالتصويت عليها، حتى يصبح كل المسؤولين عرضة للمساءلة والمحاسبة القانونية، ولا يعود هناك خيمة فوق رأس أحد،
وفي حال نجحتم يكون بذلك تحقق انجازكم الثاني.
ولأن الاصلاح هو عمل سياسي بامتياز، فأصبح من الضرورة اعادة النظر بالواقع الحكومي الحالي كي تتمكن السلطة التنفيذية من متابعة مسؤولياتها، وطبعاً من خلال الاصول الدستورية المعمول بها.
أعزائي،
إن صرختكم لن تذهب سدى، ككل الصرخات التي ملأت الساحات من قبل، واعادت الحرية والسيادة والاستقلال للبنان.
إن حرية التعبير هي حق محترم ومحفوظ للجميع، ولكن أيضاَ حرية التنقل هي حق لكل المواطنين ويجب ان تُحترم وتؤمّن.
أدعوكم جميعاً كي تكونوا المراقبين لتنفيذ الاصلاحات،
والساحات مفتوحة دائماً أمامكم، في حال حصل أي تأخير او مماطلة.
وأنا من موقعي، سأكون الضمانة وسأصارحكم بكل ما يحصل. وسأبذل جهدي لتحقيق الاصلاح .
لقد سمعت الكثير من الدعوات لإسقاط النظام. ولكن النظام، ايها الشباب، لا يتغيّر في الساحات.
صحيح أن نظامنا بات بحاجة الى تطوير، لأنه مشلول منذ سنوات وهو عاجز عن تطوير نفسه، ولكن هذا الامر لا يحصل إلا من خلال المؤسسات الدستورية.
كما أنه حان الوقت لتغيير النموذج الاقتصادي ليصبح منتجاً ويخلق فرص عمل. اؤكد للمعتصمين والمتظاهرين، أني على استعداد لألتقي ممثلين عنكم يحملون هواجسكم، والاستماع تحديداً الى مطالبكم، وتسمعون بدوركم من قبلنا مخاوفنا من الانهيار الاقتصادي وما علينا أن نقوم به سويا كي نحقق اهدافكم من دون التسبب بالانهيار والفوضى، ونفتح حواراً بناء يوصل الى نتيجة عملية وتحديد الخيارات التي توصلنا الى افضل النتائج، فالحوار هو دائماَ الطريق الاسلم للإنقاذ.
وانا بانتظاركم".